انقطعت الإشعارات وتعطلت الحياة.. كيف تواجه القاهرة الانفصال عن الزمن الرقمي بعد حريق سنترال رمسيس؟

الزمن يتراجع خطوة إلى الوراء بانقطاع الاتصالات وتوقف حركة التواصل الاجتماعي بسبب حريق سنترال رمسيس، مشاهد مرعبة تبدو هاربةً من فيلم خيال علمي لولا أننا عايشناها جميعًا لندرك كيف تكون الحياة عند انقطاع شبكة الانترنت، في لحظة صمت رقمي شلت أطراف الحياة اليومية، وأعادتنا إلى سنواتِ ما قبل تأسيس «القرية العالمية الصغيرة».
يقول أحد المتضررين إنه فوجئ خلال محاولته الاتصال بزوجته ليسألها عن طلبات المنزل، بأن هاتفه لا يجد شبكة ليكتشف أن المشكلة لم تكن تقنية فحسب، بل كانت لحظة عزلة غير معتادة في عصر يُفترض فيه أن الاتصال دائم. وفي مشهد آخر، توقفت طالبة بالثانوية العامة عن متابعة فيديو تعليمي عبر يوتيوب، لتكتشف أن الإنترنت انقطع فجأة، فاضطرت لاستخدام بيانات الهاتف لتصفح فيسبوك، محاولةً فهم ما يجري.
تعرف على أسعار باقات الإنترنت المنزلي لشركات المحمول الأربعة
وميض في السماء يكشف هشاشة البنية التحتية
انطلق الدخان من قلب القاهرة، وتحديداً من مبنى سنترال رمسيس الذي يعود تأسيسه إلى عام 1927، حيث اندلع الحريق في إحدى غرف الأجهزة الحيوية، مما استدعى تدخلًا عاجلاً من الحماية المدنية.
فُصل التيار الكهربائي والغاز، وأُغلقت الشوارع المحيطة لتيسير الإطفاء، لكن الضرر الأوسع كان يتسلل بصمت إلى الشرايين الرقمية للعاصمة، إذ شكا مواطنون في القاهرة والجيزة من انقطاع شبه كامل في الإنترنت الأرضي وضعف في تغطية الهواتف المحمولة، وسط تأكيدات من شركات الاتصالات بأن الفرق الفنية تعمل على إعادة الخدمة. وفي المقابل، انفجرت مواقع التواصل بشكاوى المستخدمين، لتكشف مدى تغلغل التكنولوجيا في أدق تفاصيل حياتهم.
حريق محلي يعكس أزمة عالمية
الدكتورة إيمان علي، خبيرة الأمن السيبراني، تقول في حديثها لـ«المصري اليوم» إن مراكز الاتصالات مثل سنترال رمسيس تمثل العصب المركزي للمدن الحديثة، وأي خلل فيها يؤثر فورًا على الملايين، مقارنةً ما حدث بالقاهرة بحوادث مشابهة عالميًا، مثل الحريق الذي ضرب مركز بيانات تابعًا لشركة «X» في ولاية أوريجون في مايو 2025، وتسبب في انقطاع عالمي للخدمات، وحرائق كاليفورنيا التي أجبرت الشركات على إغلاق مراكز البيانات تجنبًا للخسائر.
وفي 2023، أدى حريق بمركز «Windstream» إلى توقف خدمات الطوارئ في نبراسكا، بينما تسبب حريق آخر في «Digital Realty» بكاليفورنيا في شلل جزئي للعمليات، وتشير علي إلى أن الكثير من هذه الكوارث تنتج عن أعطال داخلية كالبطاريات أو الأسلاك، ما يُبرز أهمية التخطيط والاستجابة السريعة لتقليل الأثر.
الدكتورة إيمان علي
استراتيجية مصر لحماية شرايينها الرقمية
في ظل تنامي الاعتماد على الاقتصاد الرقمي، وضعت الدولة المصرية خطة شاملة لتأمين مراكز الاتصالات، تقودها وزارة الاتصالات والشركة المصرية للاتصالات، وتتضمن إجراءات وقائية وتعافٍ سريع لضمان استمرارية الخدمة، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
1. التصميم الهندسي الذكي: يتم تصميم المراكز الجديدة وتطوير القائمة منها بمعايير تضمن تهوية مثالية وتوزيعًا آمنًا للمعدات، مع استخدام مواد بناء مقاومة للحريق وتخصيص مسارات إخلاء واضحة.
2. الصيانة والفحص المستمر: تخضع التمديدات والمعدات الكهربائية لفحوصات دورية صارمة، مع استبدال أي أجزاء تالفة وتزويد المراكز بقواطع تيار أوتوماتيكية لمنع الماس الكهربائي.
3. أنظمة الإنذار والإطفاء المتقدمة: تم تزويد المراكز بأجهزة كشف دخان عالية الحساسية وأنظمة إطفاء تلقائي (بالماء أو الغاز) مصممة لإخماد الحرائق فورًا دون إتلاف المعدات الحساسة.
4. التدريب الفعال للعنصر البشري: يُعتبر الموظفون خط الدفاع الأول، لذا يتم تنظيم تدريبات منتظمة لهم على خطط الإخلاء والاستخدام الصحيح لطفايات الحريق.
5. بروتوكولات تخزين آمنة: تُخزن المواد القابلة للاشتعال في أماكن مخصصة ومعزولة وذات تهوية جيدة، بعيدًا عن أي مصادر للحرارة.
خطة الطوارئ تبدأ عند أول شرارة
أكدت خبيرة الأمن السيبراني أنه رغم كل الاحتياطات، تظل الطوارئ واردة، وهنا تبرز أهمية استراتيجيات التعافي التي تضمن عودة الخدمة بأسرع وقت، وتلخصها إيمان علي فيما يلي:
1. استجابة فنية فورية: فرق الدعم الفني مجهزة للتدخل السريع لتصليح الـ«hardware» أو استبدالها، وهو ما ظهر جليًا في حادث سنترال رمسيس حيث بدأت أعمال الصيانة فور السيطرة على الحريق.
2. توزيع الأحمال والشبكات الاحتياطية: عند تعطل مركز رئيسي، يتم تحويل حركة البيانات تلقائيًا إلى مراكز بديلة لضمان استمرارية الخدمة ومنع الانقطاع الشامل.
3. البيان الرسمي: تلتزم الشركات بإبلاغ العملاء بشفافية عن أسباب المشكلة والإطار الزمني المتوقع لحلها، مع تقديم سيناريوهات بديلة لاستعادة الخدمة.
4. التقييم والتطوير المستمر: بعد كل أزمة، يتم تحليل أسباب الحادث وأداء فرق الاستجابة، وتُستخدم الدروس المستفادة لتحديث خطط الطوارئ وتحسينها للمستقبل.
الحماية المدنية تحاول السيطرة علي حريق سنترال رمسيس
بين الدخان والأسلاك.. الحقيقة واضحة
الانقطاع المفاجئ في خدمة الانترنت والوصول للشبكة عكس حقيقةً مفادها أن الاتصال لم يعد رفاهية، بل ضرورة لا تقل أهمية عن الماء والكهرباء، وأوضحت الدكتورة إيمان علي أن حريق سنترال رمسيس كشف هشاشة تعتمد عليها منظومة الحياة اليومية في عالم يُدار بالصورة والصوت والداتا، لذلك فإن كل كابل غير محمي، وكل خطة طوارئ غائبة، تعتبر ثغرة في استقرار المجتمع، وفي المقابل، كل نظام إنذار يعمل، وكل خطة تعافٍ مُجربة، تشكل ركيزة تحفظ أمننا الرقمي، وتؤكد أن حماية التكنولوجيا تمثل في جوهرها حماية للحياة نفسها.
تابعونا لمزيد من التغطيات الحصرية والمحتوي المتنوع عبر أقسامنا المتجددة، حيث نقدم لكم أحدث أخبار وتقارير علي مدار الـ24 ساعة، وأحدث أخبار مصر و اقتصاد وبنوك وبورصة إلي جانب تغطية حصرية من خلال سفارات وجاليات ، وتغطية شاملة للتطوير العقاري من خلال قسم عقارات ونتشارك في الترويج للسياحة والآثار المصرية من خلال قسم سياحة وآثار ، إضافة لأخبار خاصة في قسم ثقافة وفنون و علوم وتكنولوجيا ومنوعات ، كما نولي اهتمام خاص بـ الرياضة و المرأة ونقدم لكم كل يهم التعليم والطلاب من خلال أخبار الجامعات .