بورصة القاهرة على مفترق طرق من تاريخ عريق إلى واقع ضعيف.. والقيادة الجديدة مطالَبة بخطة جريئة

أحجام التداول في البورصة المصرية لا تعكس حجم الاقتصاد، بل تكشف فجوة خطيرة بين الواقع والإمكانات.
السوق التي يفترض أن تكون مرآة الاقتصاد، لا تعكس اليوم سوى الضعف والهشاشة.
ضعف البورصة عنصر سلبي يخصم من فرص النمو ويضعف صورة الاقتصاد أمام المستثمرين المحليين والدوليين.
العالم يقترب من ركود أوروبي وتباطؤ عالمي، ومصر في أمسّ الحاجة إلى سوق مالية قوية قادرة على جذب السيولة وحماية الاقتصاد من الصدمات.
«الإسكان»: مد فترة الحجز ضمن الطرح الثاني لإعلان «سكن لكل المصريين7» حتى 14 سبتمبر المقبل
الإصلاح الحقيقي لم يعد خيارًا، بل ضرورة اقتصادية وأمن قومي، حتى تتحول البورصة من عبء على الاقتصاد إلى رافعة تدفعه نحو مسار ازدهار جديد
منذ أن تأسست أول بورصة في مصر بمدينة الإسكندرية عام 1883، ثم تبعتها بورصة القاهرة بعد ذلك بسنوات قليلة، كانت البلاد سبّاقة في إدخال هذا الصرح المالي إلى المنطقة، لتصبح خلال مطلع القرن العشرين واحدة من أعظم أسواق المال على مستوى العالم. ففي الفترة ما بين عامي 1900 و1940، عاشت البورصة المصرية عصرها الذهبي، حيث كانت ضمن أكبر خمس بورصات دولية إلى جانب بورصات لندن وباريس ونيويورك، وبلغت أحجام تداولاتها مستويات قياسية بفضل ازدهار تجارة القطن وتدفق الاستثمارات الأجنبية، حتى تحولت القاهرة والإسكندرية إلى مركز مالي إقليمي ودولي له صدى واسع.
غير أن مجد البدايات لم يدم طويلًا؛ فمع سياسات التأميم في ستينيات القرن الماضي تراجع دور البورصة إلى حد كبير، ودخلت السوق في حالة من الجمود بعدما أُدمجت بورصتا القاهرة والإسكندرية في كيان واحد عام 1961، وغابت الشركات الخاصة الكبرى عن منصات التداول بعد دخولها تحت سيطرة القطاع العام. ومع سياسة الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات بدأت السوق تستعيد أنفاسها تدريجيًا، إلا أن التداول ظل محدودًا حتى انطلقت مرحلة الإصلاح المؤسسي في التسعينيات، بصدور قانون سوق المال عام 1992، الذي أعاد تنظيم السوق وفتح الباب أمام تحديث بنيتها التكنولوجية وجذب طروحات جديدة.
وبينما شهدت البورصة طفرة ملحوظة في العقد الأول من الألفية مع وصول مؤشرها الرئيسي إلى مستويات قياسية، فإن الأزمة المالية العالمية عام 2008 ثم تداعيات ثورة يناير 2011 أدخلتا السوق في دوامات من التراجع الحاد، حيث توقفت التداولات لشهور وخسرت البورصة مليارات من قيمتها السوقية. ورغم محاولات التعافي خلال السنوات التالية، ما زالت السوق تعاني من ضعف السيولة وقلة الطروحات الكبرى، وتراجع صداها الإقليمي مقارنة بأسواق أصغر عمرًا مثل دبي وأبوظبي والرياض، والتي استطاعت أن تجذب استثمارات عالمية ضخمة وتتصدر المشهد.
وجاء قرار الحكومة بتعيين الدكتور إسلام عبد العظيم عزام رئيسًا لمجلس إدارة البورصة المصرية خلفًا لأحمد الشيخ، ومعه الدكتور محمد صبري الشاذلي نائبًا للرئيس خلفًا لهبة الصيرفي، في توقيت بالغ الأهمية. عزام بخلفيته الأكاديمية والتنظيمية قادر على صياغة رؤية استراتيجية حديثة، بينما يمتلك الشاذلي خبرة تنفيذية ورقابية تجعله الأقدر على فرض الانضباط اليومي ومنع التلاعب. هذا التوازن بين الرؤية والتنفيذ يمنح القيادة الجديدة فرصة لإطلاق مسار إصلاحي طال انتظاره.
الإصلاح يبدأ أولًا بزيادة السيولة عبر رفع نسب التداول الحر وتشجيع الطروحات الحكومية والخاصة ومنح حوافز للمستثمر المؤسسي. ثم باستعادة الثقة عبر الإفصاح الدوري الشفاف والرقابة الصارمة وتفعيل العقوبات. ويشمل كذلك تنويع الأدوات المالية من خلال إدخال المشتقات وتنشيط السندات والتوسع في الصكوك والصناديق المتداولة. ويضاف إلى ذلك جذب الاستثمارات الأجنبية باستقرار سعر الصرف وتسهيل حركة الأموال وحملات الترويج الدولية. ولا يقل عن ذلك أهمية تحديث البنية التكنولوجية للبورصة باستخدام منصات حديثة ورقابة بالذكاء الاصطناعي وخطط طوارئ لاستمرار التداول. وأخيرًا، فإن ربط البورصة بالاقتصاد الحقيقي يظل جوهر الإصلاح، عبر تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة وتشجيع الشركات العائلية على الإدراج وربط السوق ببرنامج الطروحات الحكومية>
على الرغم من مرور أكثر من قرن وأربعة عقود على تأسيسها، لا تزال البورصة المصرية أسيرة فجوة ضخمة بين حجم اقتصادها الهائل – الذي يقترب من 500 مليار دولار كناتج محلي إجمالي – وبين حجم تعاملاتها اليومية التي بالكاد تتراوح بين 10 إلى 15 مليار جنيه (ما يعادل 300 إلى 500 مليون دولار). هذه الأرقام تبدو هزيلة إذا ما قورنت ببورصات أخرى في المنطقة؛ فبورصة السعودية “تداول” مثلًا تتجاوز قيمتها السوقية 2.5 تريليون دولار، بينما تتخطى أحجام تداولها اليومية 2 إلى 3 مليارات دولار، أما دبي وأبوظبي، برغم صغر حجم اقتصاديهما، فقد جذبتا عبر طروحات ضخمة سيولة أجنبية هائلة وضعت أسواقهما في قلب الخريطة الاستثمارية العالمية.
المفارقة أن مصر كانت من أوائل الدول التي أنشأت بورصة في المنطقة، لكن ضعف السيولة وغياب الطروحات الكبرى والتذبذبات التشريعية أفقدتها جاذبيتها، وجعلت المؤسسات الدولية تنظر إليها كسوق واعدة على الورق لكنها عاجزة عن ترجمة إمكاناتها إلى واقع. وهنا تكمن الخطورة؛ فالبورصة ليست مجرد منصة تداول، بل هي مرآة الاقتصاد، فإذا كانت المرآة اليوم لا تعكس سوى ضعف وهشاشة، فإن صورة الاقتصاد أمام المستثمر الأجنبي ستبقى مشوهة، مهما كانت مقوماته الحقيقية.
ومع ازدياد احتمالات الركود الأوروبي وتباطؤ الاقتصاد العالمي، فإن الحاجة إلى سوق مالية قوية في مصر تصبح أكثر إلحاحًا. فالبورصة القادرة على جذب سيولة أجنبية، ودعم الطروحات الحكومية، وتمويل الشركات الناشئة والصغيرة، يمكن أن تكون صمام أمان يحمي الاقتصاد من الصدمات الخارجية. أما تركها على حالها، بأحجام تداول ضعيفة وقاعدة مستثمرين محدودة، فهو ليس مجرد إخفاق مالي، بل عنصر سلبي يخصم من فرص النمو، ويرفع كلفة التمويل، ويضعف قدرة الاقتصاد على التنافس إقليميًا ودوليًا
تابعونا لمزيد من التغطيات الحصرية والمحتوي المتنوع عبر أقسامنا المتجددة، حيث نقدم لكم أحدث أخبار وتقارير علي مدار الـ24 ساعة، وأحدث أخبار مصر و اقتصاد وبنوك وبورصة إلي جانب تغطية حصرية من خلال سفارات وجاليات ، وتغطية شاملة للتطوير العقاري من خلال قسم عقارات ونتشارك في الترويج للسياحة والآثار المصرية من خلال قسم سياحة وآثار ، إضافة لأخبار خاصة في قسم ثقافة وفنون و علوم وتكنولوجيا ومنوعات ، كما نولي اهتمام خاص بـ الرياضة و المرأة ونقدم لكم كل يهم التعليم والطلاب من خلال أخبار الجامعات .