مقالات

دكتور رءوف رشدي يكتب : أعمدة بعلبك .. تساؤلات لا تنتهي حول رحلة النقل المستحيلة

صوت المصريين - The voice of Egyptians

في قلب سهل البقاع اللبناني، تقف ستة أعمدة حجرية مذهلة من معبد جوبيتر، شاهدة على عبقرية الإنسان القديم وقوة حضارته. يبلغ ارتفاع العمود الواحد نحو 20م، ويصل قطره إلى حوالي 2.5م، أما الوزن فيتراوح بين 300 و400 طن، لتتربع هذه الأعمدة على عرش أضخم الأعمدة المنحوتة والمنصوبة في العالم الكلاسيكي على الإطلاق. لكنها ليست فقط أي أعمدة؛ إنها أعمدة من الجرانيت الوردي القاسي، جُلبت من أسوان جنوب مصر، على بُعد مئات الكيلومترات من موقعها الحالي في بعلبك.

ولا يكاد الباحث أو المتأمل يتوقف عن طرح الأسئلة المثيرة: كيف نُقلت هذه الأعمدة فعلاً من أسوان إلى بعلبك؟ بأي نوع من التنظيم، أو التقنيات، أو حتى القوى تم ذلك؟ إذا كانت الأدوات المتوفرة آنذاك محدودة، فكيف استطاع الرومان أن يقتطعوا هذه الأعمدة العملاقة من الصخر الأصم، ثم ينقلوها بهذا الحجم الهائل عبر النيل، وعبر البحر المتوسط، ويجرونها فوق اليابسة اللبنانية حتى تستقر شامخة أمام الشمس؟

هل كان كل شيء مجرد حساب هندسي دقيق وخبرة بشرية متراكمة؟ أم ثمة أسرار فُقدت مع الزمن، تعجز اكتشافاتنا عنها حتى الآن؟ كم من الجهد البشري احتاجت هذه العمليات، وكم من الزلاجات، والسفن، والأخشاب، والبكرات صُنعت فقط من أجل نقل عمود واحد؟ كيف واجه الرومان احتمالية الكسر أو الانزلاق أو الغرق خلال عشرات المحطات وصعوبات الرحلة؟ ولو تحقق ذلك فعلاً، هل نملك اليوم الجرأة على تكرار نفس المحاولة دون الاستعانة بالتقنيات الحديثة العملاقة؟

ما يثير الجدل أكثر، أن أي نظرية للنقل والتشييد تبقى حتى اليوم مفتوحة أمام احتمالات مجهولة. بعض المهندسين والباحثين يقترحون تفسيرات تقليدية عبر السحب، والبكرات، وقوة العمل الهائلة، لكن لا أحد يملك دليلاً أثريًا دامغًا يفسر كل خطوة بوضوح. فهل بالغ القدماء في قدراتهم، أم نحن من قللنا من شأن معرفتهم؟ وهل يمكن أن يكون هناك معرفة هندسية أو تنظيمية أو حتى أسرار اجتماعية لم تصلنا؟ أم أن هناك “عاملًا مفقودًا” لم يُكتشف بعد في علم النقل القديم؟

تظل أعمدة بعلبك، بكل كتلها الهائلة وشموخها وصمتها المهيب، مساحة مفتوحة لمزيد من التساؤلات والنقاشات. كلما ظننا أننا اقتربنا من الحقيقة التقنية أو التاريخية، برزت أسئلة أكثر إلحاحًا وتشويقًا، ملهمةً الجدل بين رواد العلم ومحبي الغموض، شاهدة بأن أعظم أسرار التاريخ ما تزال تنتظر من يكتشفها.

مقال للدكتور رءوف رشدي

تابعونا لمزيد من التغطيات الحصرية والمحتوي المتنوع عبر أقسامنا المتجددة، حيث نقدم لكم أحدث أخبار وتقارير علي مدار الـ24 ساعة، وأحدث أخبار مصر  و اقتصاد وبنوك وبورصة إلي جانب تغطية حصرية من خلال  سفارات وجاليات ،  وتغطية شاملة للتطوير العقاري من خلال قسم عقارات ونتشارك في الترويج للسياحة والآثار المصرية من خلال قسم  سياحة وآثار  ، إضافة لأخبار خاصة في قسم ثقافة وفنون و علوم وتكنولوجيا ومنوعات ، كما نولي اهتمام خاص بـ الرياضة و المرأة ونقدم لكم كل يهم التعليم والطلاب من خلال أخبار الجامعات .

زر الذهاب إلى الأعلى